خرج النبي عام الحديبية في خمس عشرة مائة من أصحابه، فلما أتى ذا الخليفة قلد الهدى وأشعره، وأحرم منها بعمره.
ثم عطش الناس، ورسول الله بين يديه ركوة، فتوضأ منها
ثم أقبل الناس نحوه، فقال رسول الله ما لكم؟
فقالوا: يا رسول الله ، ليس عندنا ماء نتوضأ به، ولا نشرب إلا ما في ركوتك.
فوضع النبي يده في الركوة، فجعل الماء يفور من بين اصابعه كأمثال العيون، فشربوا وتوضؤوا
ثم أتوا بعد ذلك بئر الحديبية فنزحوها، فلم يتركو فيها قطرة، فبلغ ذلك النبي .
وبينما كان رسول الله بالحديبية، وأصحابه محرمون، قد حصرهم المشركون، إذ جاء كعب بن عجرة رضي الله عنه وقمله يسقط على وجهه، وكانت له وقرة، فقال النبي : أيوذيك هوامك؟
فقال كعب: نعم.
فأمره رسول الله أن يحلق، وهم يومئذ بالحديبية لم يتبين لهم أنهم سيحلون بها، وهم على طمع أن يدخلوا مكة ، فأنزل الله الفدية، فأمر رسول الله كعباً أن يطعم فرقاً بين ستة مساكين، أو يهدي شاة، أو يصوم ثلاثة أيام.
فلما جاء سهيل بن عمرو، قال النبي لأصحابه رضي الله عنهم: لقد سهل لكم من أمركم.
فقال سهيل للنبي هات اكتب بيينا وبينكم كتاباً.
فدعا النبي علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فكتب الصلح بين النبي وبين المشركين يوم الحديبية.
فقال سهيل: والله لو كنا نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت ولا قاتلناك، ولكن اكتب: محمد بن عبد الله.
فقال النبي : والله إني لرسول الله وإن كذبتموني.
ثم قال النبي لعلي: امحه.
فقال علي: لا والله لا أمحها.
فقال رسول الله : ارني مكانها.
فأراه علي مكانها، فمحاه النبي بيده، وكتب ابن عبد الله
فصالح النبي المشركين يوم الحديبية على ثلاثة أشياء: على أن من جاء منكم لم نرده عليكم، ومن جاءكم منا رددتموه علينا، وعلى أن يدخلها من العام القابل، ويقيم بها ثلاثة أيام، ولا يدخلها بسلاح إلا بجلبان السلاح: السيف والقوس ونحوه وما فيه.
ثم جاء النبي نسوة مؤمنات مهاجرات، فكانت أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط ممن خرج إلى رسول الله وهي عائق، فجاء أهلها يسألون رسول الله أن يرجعها إليهم.
فأمر الله رسوله أن يرد إلى المشركين ما انفقوا على من هاجر من أزواجهم.
ولم يأت النبي في المدينة أحد من الرجال إلا رده في تلك المدة، وإن كان مسلماً.
وقد قال النبي لحفصه رضي الله عنها، لا يدخل النار إن شاء الله من أصحاب الشجرة أحد الذين بايعوا تحتها.
فقالت حفصه: بلى يا رسول الله
فانتهرها النبي
غزوة خيبر
خرج المصطفى المختار، صلى وسلم عليه ربه الرحيم الغفار، لقتال يهود خيبر الأشرار، فبينما هم في مسيرهم قد خالطهم ظلام الأسحار.
فقال رسول الله أين علي بن أبي طالب؟
فاعطاه رسول الله الراية.
فقال علي: يا رسول الله، أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا.
فقال له رسول الله : انفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم، ثم ادعهم إلى الاسلام، واخبرهم بما يجب عليهم من حق الله فيه، فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من أن يكون لك حمر النعم.
ففلق على رأس مرحب بالسيف فقتله، وكان الفتح على يديه
وكانت خيبر قد فتحت عنوة، ولم يغنم فيها رسول الله ذهبا ولا فضة، وإنما غنم البقر والإبل والمتاح والحوائط.
قصة الشاه المسمومة.
وقد أهدت امرأة يهودية-وهي أخت ملكهم مرحب- رسول الله شاه مصلي قد سمتها.
فأكل رسول الله منها وأكل القوم، فقال رسول الله لأصحابه رضى الله عنهم : ارفعوا أيديكم، فإنها أخبرتني أنها مسمومة.
فمات بشر بن البراء بن معرور الأنصاري رضي الله عنه.
فأرسل رسول الله إلى اليهودية: ما حملك على الذي صنعت؟
فقالت: إن كنت نبياً لم يضرك الذي صنعت، وإن كنت ملكاً أرحت الناس منك.
فأمر بها رسول الله فقتلت.
قدوم مهاجري الحبشة رضي الله عنهم:
ووافي جعفر بن أبي طالب وأصحابه رضي الله عنهم- حين قدموا من الحبشة بالسفينة- رسول الله حين افتتح خيبر، فأسهم لهم وأعطاهم منها، وما قسم لأحد غاب عن فتح خيبر منها شيئاً إلا لمن شهد معه.
إثبات الحجاج بن علاط رضي الله عنه مكه وجمعه ماله وذهابه به:
وكان الحجاج بن علاط رضي الله عنه قد أتى رسول الله بعد فتح خيبر، فقال: يا رسول الله، إن لي بمكة مالاً، وإن لي بها أهلاً، وإني أريد أن اتيهم، فأنا في حل إن أنا نلت منك، أو قلت شيئاً؟
فأذن له رسول الله أن يقول ما شاء.
فأتى الحجاج بن علاط امرأته حين قدم، فقال: اجمعي لي ما كان عندك، فإني أريد أن أشتري من غنائم محمد وأصحابه، فإنهم قد استبيحوا وأصيبت أموالهم.
ففشا الخبر في مكة، وانقمع المسلمون، وأظهر المشركون فرحاً وسروراً.
عمرة القضاء
قدم رسول الله وأصحابه مكة لعمرة القضاء التي تصالحوا مع المشركين بالحديبية عليها، وقاضاهم رسول الله على أن يعتمر من العام المقبل، فاعتمر من العام المقبل.
غزوة مؤتة
لما رجع رسول الله إلى المدينة، جهز جيشاً إلى مؤتة، واستعمل عليهم زيد بن حارثة رضي الله عنه، وقال لهم، إن قتل زيد أو استشهد فأميركم جعفر، فإن قتل أو استشهد فأميركم عبد الله بن رواحة.
قالت عائشة رضي الله عنها: لما جاء قتل ابن حارثة وجعفر بن أبي طالب وعبد الله بن رواحة رضي الله عنهم جلس رسول الله يعفر فيه الحزن.
فبينما عائشة تطلع من صائر الباب، إذا أتاه رجل فذكر له بكاء نساء جعفر
فأمره رسول الله أن ينهاهن
فذهب الرجل ثم أتى رسول الله فذكر أنهن لم يطعنه
فأمره رسول الله أن ينهاهن.
فذهب ثم أتى، فقال: والله لقد غلبننا.
فقال له رسول الله فاحث في أفواههن من التراب
كتب الرسول إلى الملوك
كتابه إلى هرقل:
لقد كان للفتح الذي فتحه الله تعالى على نبيه في صلح الحديبية أمارات، وعليه دلائل وعلامات.
فقد خاطب رسول الله إبان مدة الصلح الملوك العظام، وارسل البعوث إلى القبائل والفئام.
كتابه إلى كسرى:
وبعث رسول الله رجلاً بكتابه، وأمره أن يدفعه إلى عظيم البحرين، فدفعه عظيم البحرين إلى كسرى ملك فارس.
فلما قرأه مزقه!
فدعا عليهم رسول الله أن يمزقوا كل ممزق
البعوث والسرايا
بعث رسول الله عمرو بن العاص رضي الله عنه إلى ذات السلاسل، فاحتلم في ليلة باردة شديدة البرد، فأشفق إن اغتسل أن يهلك، فتيمم ثم صلى بأصحابه صلاة الصبح.
وبعث رسول الله بعثا قبل الساحل، فأمر عليهم أبا عبيدة بن الجراح رضي الله عنه- وهم ثلاثمائة- فخرجوا حتى إذ كانوا ببعض الطريق فني الزاد.
فأكلوا منه نصف شهر، حتى إنهم ليغترفون من وقب علينه بالقلال الذهن، ويقتطعون منه القدر كالثور.
وقد أخذ أبو عبيدة ثلاثة عشر رجلاً فأقعدهم في وقب عينه، ثم أمر أبو عبيدة بضلعين من أضلاعه فنصبا، ثم أمر براحلة فرحلت ثم مرت تحتهما فلم تصبهما.
وبعث رسول الله بعثاً من المسلمين إلى قوم من المشركين في الحُرقة من جينه، فكان من المشركين رجل إذا شاء أن يقصد إلى رجل من المسلمين قصد له فقتله.
نعيه النجاشي:
نعى رسول الله للناس النجاشي ملك الحبشة في اليوم الذي مات فيه، وقال: مات اليوم عبد الله صالح، أصحمة النجاشي.
فخرج رسول الله بالناس إلى المصلى، فصفهم صفين وأمهم، فصلى عليه فكبر أربع تكبريات، وقال: استغفروا لأخيكم